فن و ثقافةمجتمع

إبداع الصويريين في “الناس لملاح”: الصويرة كشخصية نابضة بالحياة

تحتضن مدينة الصويرة، بأزقتها القديمة وجدرانها الصلبة وأبوابها التاريخية، أحداث المسلسل المغربي “الناس لملاح”، الذي يَسرد قصة المجتمع المغربي بروح معاصرة، مستنداً على خلفية تاريخية وثقافية ثرية. فمدينة الصويرة في هذا العمل ليست مجرد موقع تصوير، بل تصبح شخصية حيّة تساهم في تشكيل الحبكة وتضيف للأحداث عمقًا وبعدًا فنيًا يعكس تراث المدينة وجمالها الفريد.

الصويرة: فضاءاتٌ تعبق بالتاريخ والجمال

الصويرة، المعروفة بأبوابها العتيقة، ومينائها النابض بالحياة، وزواياها التي تحمل بين جدرانها أسرار التاريخ، أصبحت في هذا المسلسل أكثر من مجرد خلفية. لكل زاوية، وركن، وباب، حكاية تتقاطع مع شخصيات العمل، وتمنح القصة أصالة وواقعية:

الأبواب التاريخية: مثل باب دكالة وباب مراكش، لا تفتح فقط على أزقة المدينة، بل على ماضٍ زاخر بالعراقة، حيث تقف شاهدة على أجيال من أبناء الصويرة، لتصبح رمزاً للتراث والأصالة في المسلسل.

الميناء: بصفته نبض الصويرة الحيوي، يعكس حياة الصيادين وقصصهم اليومية مع البحر. يظهر الميناء في المسلسل كجزء لا يتجزأ من حياة السكان، مما يضفي أجواء أصيلة تصوّر طبيعة الصويرة الحقيقية.

المطار: رغم أن الصويرة مدينة عريقة، إلا أن مطارها يُعد نافذة مفتوحة على العالم. يُظهر المسلسل المطار كرمز للتواصل والانفتاح، مشيراً إلى كون الصويرة نقطة جذب ثقافية وسياحية، تستقبل الزوار من كل مكان.

الزوايا والأضرحة: مثل زاوية سيدي مڭرثي، التي تُمثل بعدًا روحياً وثقافياً عميقاً، حيث تتداخل حياة الناس مع التقاليد الصوفية التي تعود إلى قرون. يُسلط المسلسل الضوء على دور هذه الزوايا في حياة الناس، ليمزج بين القصص الشخصية والتراث الروحي للمدينة.

الفضاءات الثقافية والسياحية: لا يخلو المسلسل من تسليط الضوء على فضاءات مثل ساحة مولاي الحسن، حيث تجتمع ثقافات مختلفة، مبرزة أهمية الصويرة كمدينة للفنون والموسيقى، خاصة في مهرجاناتها المعروفة مثل مهرجان كناوة.

الفنانون الصويريون: روح الإبداع في الناس لملاح

شارك في المسلسل مجموعة من الفنانين الذين يعتبرون أيقونات للمدينة، مساهمين في رفع قيمة العمل وزيادة ارتباطه بالمدينة وأصالتها، ومن أبرزهم:

مصطفى خليلي: يُعتبر مصطفى خليلي من رواد الفن في الصويرة، حيث تميز بأسلوبه الفني الفريد الذي يمزج بين التراث والحداثة. يُضفي حضوره على المسلسل أبعاداً فنيةً تعكس الروح العميقة للمدينة، مع استحضار تفاصيل حياتها اليومية.

نجوى الفايدي: هي واحدة من أبرز الفنانات الصويريات، وقد برزت بأدائها المتميز وشخصيتها القوية التي تنقل روح المرأة الصويرية. حضورها في المسلسل يُظهر قوة الشخصية المغربية، مع تصوير الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في المجتمع.

مصطفى حقيق: بمواهبه المتعددة، ساهم في إضفاء طابع أصيل على العمل، حيث يبرز من خلال تجسيده لدور ينقل تفاصيل حياة أهل المدينة وثقافتهم المحلية.

حسن هموش: كاتب ومبدع يتميز بأسلوبه الفريد في سرد الحكايات، ويعتبر أحد أهم ركائز هذا المسلسل. من خلال نصوصه، ينقل للجمهور قصة الصويرة وروحها، مازجاً بين التاريخ والحاضر، ومانحاً المسلسل عمقاً أدبياً وثقافياً. ويعمل أيضًا من خلال جمعية محمود اخراز للمحافظة على التراث الكناوي في تعزيز الفنون والتراث الكناوي، وفنانين آخرين أمثال عزالدين كركار، مصطفى لعسري، غيثة الرابولي، عبد الله شفيرة، الفنانة هند النعيرة مع فرقتها الكناوية من 5 أفراد، أحمد حريميدة والفنان الموسيقي شمس الدين.

دور المجتمع المدني: دعم وإثراء

لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي تلعبه جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الهوية الثقافية للصويرة، ومن بين هذه الجمعيات:

جمعية الصويرة موكادور: تساهم بشكل فعّال في الحفاظ على تراث المدينة، ولها دور محوري في دعم الأعمال الفنية التي تسلّط الضوء على الثقافة الصويرية.

بيت الذاكرة: هذا المركز الثقافي يُعنى بالحفاظ على التراث الثقافي لليهود المغاربة، ويعكس تاريخ التعايش الديني في المدينة، وهو ما يظهر في المسلسل ليعطيه بعداً إنسانياً عميقاً.

جمعية محمود اخراز للمحافظة على التراث الكناوي: التي يشرف عليها حسن هموش، تُعنى بإبراز التراث الكناوي وتساهم في نقل هذا الفن التقليدي من جيل إلى آخر، ويظهر هذا بشكل ملموس في المسلسل من خلال المشاهد التي تبرز الثقافة الكناوية.

رجال الأمن ورجال المطافئ والإسعاف بالصويرة: كانت لهذه الجهات دور كبير في دعم إنتاج المسلسل من خلال تأمين موقع التصوير وتقديم الدعم اللوجستي، مما يُسهم في تعزيز أجواء واقعية ومساعدة فريق العمل في تقديم صورة حية للمدينة.

مديرية الثقافة: باعتبارها الداعم الأكبر للمبادرات الفنية في الصويرة، أسهمت مديرية الثقافة في تسهيل عمليات التصوير وتقديم الموارد اللازمة لإنجاح العمل، مُظهرة بذلك التزامها بالحفاظ على الموروث الثقافي للمدينة.

خاتمة: الصويرة كمنصة للإبداع الفني الشامل

يتجاوز “الناس لملاح” كونه مجرد مسلسل تلفزيوني ليُصبح عملًا فنيًا متكاملاً يعكس جوهر الصويرة وروحها الأصيلة. من خلال تصوير أماكنها ومعالمها، وعبر مساهمات أبنائها من الفنانين المبدعين، يتحوّل المسلسل إلى دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال المدينة وثقافتها. وبفضل الدعم الذي يقدمه المجتمع المدني والجهات المحلية، نجح المسلسل في إبراز الصويرة كوجهة ثقافية وسياحية، تُظهر للعالم عبق التاريخ وإرث الأصالة المغربية.

بهذه الصورة، نجح المسلسل في توثيق تفاصيل الحياة اليومية للصويرة، وجعل المدينة ليست فقط مكانًا للأحداث، بل شخصية فاعلة تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحكاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى